عذراً أيها الشهداء .. فأنتم الأحياء ونحن الموتى
يمنات
بعد أن قضيتم نحبكم أيها الأحباب الأطهار، رثاكم رفيقكم الثائر (المنتظر آنذاك) فؤاد الحميري بقصيدة رائعة عبر فيها عن موقفكم وموقف رفاقكم المنتظرون من المبادرة الخليجية، التي كان الراغبون في إنقاذ النظام يتفاوضون حولها، قال فيها: "والله إنّا راغبون بأنْ نبلغ صوتنا / ونبث في لهفٍ أشقاء الخليج همومنا / ونود أن نصغي لهم ونود أن يصغوا لنا / لكن متى هذا؟ وكيف؟ وفي المقابر وفدنا! / لا تعجبوا فكبيرنا هو- يا كرام- شهيدنا / ومع احترامي للجميع هُنا، وبورك مَن هُنا! / هو لا سواه الناطق الرسميُّ باسم شبابنا / ما عاش يحترف الكياسة والسياسة مثلنا / ما عاش يبغي سلطة كلا، ولا يرجو غنى / ولطالما ذاق الشقاء ولم يحرك ساكنا / لكنه ما كان يقبل أن يعيش مدجَّنا".
مع ذلك فقد انتصر أنصار الحوار على أنصار الثورة، ووقعت المبادرة الخليجية لإنقاذ النظام. فقلنا إن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب، ورحنا نحضر لمؤتمر الحوار الوطني، الذي نراه معركتنا القادمة لبناء مستقبل اليمن، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي استشهدتم من أجلها، ومع اقتناعنا باستحالة تمثيلكم أيها الأحباب مادياً، كنا نرغب بأن تمثل المبادئ التي بذلتم أرواحكم من أجلها، ولكن للأسف الشديد فإن أنصار الثورة المضادة من كل لون وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية وانتماءاتهم الاجتماعية، يريدونه ورشة لترميم النظام العائلي وإعادة إنتاجه، فتسابقوا على التحدث باسم الثورة، وجني ثمارها، والتمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك القتلة الذين قتلوكم، والذين تواطئوا مع قاتليكم، والذين حاصروا رفاقكم الثوار في ساحة التغيير بعد استشهادكم، بدعوى حماية الثورة، وهم في الحقيقة يحمون النظام العائلي، فقد أرادوا الثورة عملية جراحية تضحي بالأم (علي صالح) لإنقاذ الجنين (النظام)، فالحكمة الحاكمة لسلوكهم السياسي هي: "من تزوج أمنا كان عمنا".
لقد تعددت أساليب وآليات وميكانزمات اللهث وراء التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، فبعضهم أسس حزباً جديداً، مستعيراً أعضاءه من حزب أخر، وبعضهم الأخر راح يعقد مؤتمرات يلوك فيها مصطلحات الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وهم أبعد ما يكون عن مضامين هذه المصطلحات.
لقد سعينا أيها الأحباب لإجبار القتلة المسئولين مسئولية مباشرة عن قتلكم للاعتذار لأرواحكم الطاهرة، عبر قانون العدالة الانتقالية، إلا أنهم كانوا أقوى منا، ولازلنا نسعى لإصدار هذا القانون. لذلك كله أجدني (أصالة عن نفسي ونيابة عن كل زملائي من المثقفين والأكاديميين، والفنانين التشكيليين، والممثلين والمطربين والمنشدين) مضطراً للاعتذار لكم عن فشلنا في الدفاع عن المبادئ التي استشهدتم من أجلها، فنحن مسئولون مسئولية غير مباشرة عن استشهادكم، حشدناكم للثورة وعبئنا روحكم الثورية وألهبنا مشاعركم، فرحتم تواجهون رصاص الحاقدين الطغاة الجبناء أعداء الحياة وأعداء الإنسانية بصدور عارية، فلتغفروا بخلنا بالتضحية أيها الكرماء، ولتسامحوا فقرنا للشجاعة أيها الأغنياء بقيمكم وشجاعتكم، ولتسامحوا عجزنا أيها القادرون، فأنتم الأحياء ونحن الموتى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من حائط الكاتب على الفيسبوك